الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: صبح الأعشى في كتابة الإنشا **
ويحتاج الكاتب إليه من وجهين: أحدهما من حيث مخالطة الملوك فلا بد أن يكون عارفاً بصفات الجواهر وأثمانها والنفيس منها وخواصها لأنه ربما جرى ذكر شيء من ذلك بحضرة ملكه فتكون مشاركته فيه زيادة في رفعة محله وعلو مقداره وهذا هو الذي عول عليه صاحب مواد البيان في احتياج هات ابن المعتز ووصفه للجواهر كيف تقع في نهاية الحسن وغاية الكمال لمعرفته بالمشاهدة فهو يقول عن علم ويتكلم عن معرفة وليس الخبر كالمعاينة وقد اعتنى الناس بالتصنيف في الأحجار في القديم والحديث. فممن صنف فيه في القديم من حكماء الفلاسفة: أرسطو طاليس وبلينوس وياقوس الأنطاكي. وممن صنف فيه من الإسلاميين: أحمد بن أبى خالد المعروف بابن الجزار ويعقوب بن إسحاق الكندي وغيرهما وأحسن مصنف فيه مصنف أبي العباس أحمد بن يوسف التيفاشي. والذي يتعلق الغرض منه بذلك اثنا عشر صنفاً: الصنف الأول اللؤلؤ وهو يتكون في باطن الصدف وهو حيوان من حيوان البحر الملح له جلد عظمي كالحلزون ويغوص عليه الغواصون فيستخرجونه من قعر البحر ويصعدون به فيستخرجونه منه. وله مغاصات كثيرة إلا أن مظان النفيس منه بسر نديب من الهند وبكيش وعمان والبحرين من أرض فارس وأفخره لؤلؤ جزيرة خارك بين كيش والبحرين. أما ما يوجد منه ببحر القلزم وسائر بحار الحجاز فرديء ولو كانت الدرة منه في نهاية الكبر لأنه لا يكون لها طائل ثمن. وجيد اللؤلؤ في الجملة هو الشفاف الشديد البياض الكبير الجرم الكثير الوزن المستدير الشكل الذي لا تضريس فيه ولا تفرطح ولا أعوجاج. ومن عيوبه أن يكون في الحبة تفرطح أو اعوجاج أو يلصق بها قشر أو دودة أو تكون مجوفة غير مصمته أو ثم من مصطلح الجوهريين أنه إذا اجتمع في الدرة أوصاف الجودة فما زاد على وزن درهمين ولو حبة يسمى دراً فإن نقصت عن الدرهمين ولو حبة سميت حبة لؤلؤ وإذا كانت زنتها أكثر من درهمين وفيها عيب من العيوب فإنها تسمى حبة أيضاً ولا عبرة بوزنها مع عدم اجتماع أوصاف الجودة فيها. وتسمى الحبة المستديرة الشكل عند الجوهريين الفأرة وفي عرف العامة: المدحرجة. ومن طبع الجوهر أنه يتكون قشوراً رقاقاً طبقة على طبقة حتى لو لم يكن كذلك فليس على أصل الخلقة بل مصنوع. ومن خواصه أنه إذا سحق وسقي مع سمن البقر نفع من السموم. وقال أرسطو طاليس: من وقف على حل اللؤلؤ من كباره وصغاره حتى يصير ماء رجراجاً ثم طلى به البرص أذهبه. وقيمة الدرة التي زنتها درهمان وحبة مثلاُ أو وحبتان مع اجتماع شرائط الجودة فيها سبعمائة دينار فإن كان اثنتان على هذه الصفة كانت قيمتهما ألفي دينارن كل واحدة ألف دينار لا تفاقهما في النظم والتي زنتها مثقال وهي بصفة الجودة قيمتها ثلثمائة دينار فإن كان اثنتان زنتهما مثقال وهما بهذه الصفة على شكل واحد لا تفريق بينهما في الشكل والصورة كانت قيمتهما أكثر من سبعمائة دينار. وقد ذكر ابن الطوير في تاريخ الدولة الفاطمية: أنه كان عند خلفائهم درة تسمى اليتيمة زنتها سبعة دراهم تجعل على جبهة الخليفة بين عينيه عند ركوبه في المواكب العظام على ما سيأتي ذكره في الكلام على ترتيب دولتهم في المسالك والممالك إن شاء الله تعالى. ويضره جميع الأدها والحموضات بأسرها لا سيما الليمون ووهج النار والعرق وذفر الرائحة والاحتكاك بالأشياء الخشنة ويجلوه ماء حماض الأترج إلا أنه إذا أثج عليه به قشره ونقص وزنه فإن كانت صفرته من أصل تكونه في البحر فلا سبيل إلى جلائها. الصنف الثاني الياقوت قال بلينوس: وهو حجر ذهبي وهو حصى يتكون بجزيرة خلف سرنديب من بلاد الهند بنحو أربعين فرسخاً دورها نحو ستين فرسخاً في مثلها وفيها جبل عظيم يقال له جبل الراهوان تحدر منه الرياح والسيول الياقوت فيلتقط والياقوت حصباؤه وهو الجبل الذي أهبط الله تعالى عليه آدم عليه السلام فإذا لم تحدر السيول منه شيئاً عمد أهل ذلك الموضع إلى حيوان فذبحوه وسلخوا جلده وقطعوه قطعاً كباراً وتركوه في سفح ذلك الجبل فيختطفه نسور تأوي إلى ذلك الجبل فتصعد باللحم إلى أعلاه فيلصق بها الياقوت ثم تأخذه النسور وتنزل به إلى أسفل فيسقط منه ما علق به من الياقوت فإذا أخذ كان لونه مظلماً ثم يشف بملاقاة الشمس ويظهر لونه على أي لون كان. الضرب الأول الأحمر ومنه البهرمان ولنه كلون العصفر الشديد الحمرة الناصع في القوة الذي لا يشوب حمرته شائبة ويسمى: الرماني لمشابهته حب الرمان الرائق الحب وهو أعلى أصناف الياقوت وأفضلها وأغلاها ثمناً. ومنه: الخيري وهو شبيه بلون الخيري وهو المنثور ويتفاضل في قوة الصبغ وضعفه حتى يقرب من البياض. ومنه الوردي: وهوكلون الورد يتفاضل في شدة الصبغ وضعفه حتى يقرب من البياض. وأردأ ألوانه الوردي الذي يضرب إلى البياض والسماقي الذي يضرب إلى السواد. الضرب الثاني الأصفر وأعلاه الجلناري وهو أشده صفرة وأكثره شعاعاً وماء وأقواها شعاعاً ومنه الذكر وهو أثقل من المهاني وأقل شعاعاً وأصلب حجراً وهو أدون أصناف الياقوت وأقلها ثمناً. وأجود الياقوت الأحمر البهرماني والرماني والوردي النير المشرق اللون الشفاف الذي لا ينفذه البصر بسرعة. وعيوبه الشعرة وهي شبه تشقيق يرى فيه والسوس وهو خروق توجد فيه باطنة ويعلوها شيء من ترابية المعدن. ومن أرادأ صفاته قبح الشكل. ومن خواص الياقوت: أنه يقطع كل الحجارة كما يقطعها الماس وليس يقطعه هو على أي لون ومن خواصه أيضاً: أنه لا ينحك على خشب العشر الذي تجلى به جميع الأحجار بل طريق جلائه أن يكسر الجزع اليماني ويحرق حتى يصير كالنورة ثم يسحق بالماء حتى يصير كأنه الغراء ثم يحك على وجه صفيحة من نحاس حجر الياقوت فينجلي ويصير من أشد الجواهر صقالة. ومن خواصه: أنه ليس لشيء من الأحجار المشفة شعاع مثله وأنه أثقل ن سائر الأحجار المساوية له في المقدار وأنه يصبر على النار فلا يتكلس بها كما يتكلس غيره من الحجرة النفيسة وإذا خرج من النار برد بسرعة حتى إن الإنسان يضعه في فيه عقب إخراجه من النار فلا يتأثر به إلا أن لون غير الأحمر منه كالصفر وغيرها يتحول إلى البياض أما الحمرة فإنها تقوى بالنار بل إذا كان في الفص نكتة حمراء فإنها تتسع بالنار وتنبسط في الحجر بخلاف النكتة السوداء فيه فإنها تنقص بالنار فما ذهبت حمرته بالنار فليس بياقوت بل ياقوت أبيض مصبوغ أو حجر يشبه الياقوت. ومن منافعه ما ذكره أرسطاطاليس: أن التختم به يمنه صاحبه أن يصيبه الطاعون إذا ظهر في بلد هو فيه وأنه يعظم لا بسه في عيون الناس ويسهل عليه قضاء الحوائج وتتيسر له أسباب المعاش ويقوي قلبه ويشجعه وأن الصاعقة لا تقع على من تختم به. وإذا وضع تحت اللسان قطع العطش ويقوي قلبه ويشجعه وأن الصاعقة لا تقع على من تختم به. وإذا وضع تحت اللسان قطع العطش. وامتحانه أن يحك به ما يشبهه من الأحجار فإنه يجرحها بأسرها ولا تؤثر هي فيه. قال التيفاشي: وقيمة الأحمر الخالص على ما جرى عليه العرف بمصر والعراق أن الحجر إذا كان زنته نصف درهم كانت قيمته ستة مثاقيل من الذهب الخالص والحجر الذي زنته درهم قيمته ستة عشر ديناراً والحجر الذي زنته مثقال قيمته بدينارين القيراط والحجر الذي زنته مثقال وثلث قيمته ثلاثة دنانير القيراط إلى ثلاثة ونصف ويزيد ذلك بحسب زيادة لونه ومائيته وكبر جرمه حتى ربما بلغ ما زنته مثقال من جيده مائة مثقال من الذهب إذا كان بهرماناً نهاية في الصبغ والماءة والشعاع قد نقص منه بالحك كثير من جرمه وقيمة الأصفر منه زنة كل درهم بدينارين وقيمة الأزرق والماهاني كل درهم بأربعة دنانير وقيمة الأبيض على النصف من الأصفر. ويختلف ذلك بالزيادة والنقص في الصبغ والمائية مع القرب من المعدن والبعد عنه. وقد ذكر ابن الطوير في ترتيب مملكة الفاطميين: أنه كان عندهم حجر ياقوت أحمر في صورة هلال زنته أحد عشر مثقالاً لا يعرف بالحافر يجعل على جبين الخليفة بين عينيه مع الدرة المتقدمة الذكر عند ركوبه. الصنف الثالث البلخش قال بلينوس: وانعقاده في الأصل ليكون ياقوتاً إلا أنه أبعده عن الياقوتية علل من اليبس والرطوبة وغيرهما وكذلك سائر الأحجار الحمر. ومعدن البلخش الذي يتكون فيه بنواحي بلخشان. والعجم تقول: بذخشان بذال معجمة وهي من بلاد الترك تتاخم الصين. قال التيفاشي: وأخبرني من رأى معدنه من التجار أنه وجد منه في المعدن حجراً وفي باطنه ما لم يكمل طبخه وانعقاده بعد والحجر مجتمع عليه وهو على ثلاثة أضرب: أحمر معقرب وأخضر زبر جدي وأصفر والأحمر أجوده. قال التيفاشي: وليس لجميعه شيء من خواص الياقوت ومنافعه وإنما فضيلته تشبهه به في الصبغ والمائية والشعاع لا غير. قال: وقيمته في الجملة غالباً على النصف من قيمة الياقوت الجيد. قال في مسالك الأبصار: وهو لا يؤخذ من معدنه إلا بتعب كثير وإنفاق زائد وقد لا يوجد بعد التعب والإنفاق ولهذا عز وجوده وغلت قيمته وكثر طالبه والتفتت الأعناق إلى التحلي به. قال: وأنفس قطعه وصلت إلى بلادنا من البلخش قطعه وصلت مع تاجر في أيام العادل كتبغا وأحضرت إليه وهو بدمشق وكانت قطعه جليلةً مثلثة على هيئة المشط العودي وهي في نهاية الحسن وغاية الجودة زنتها خمسون درهماً كاد المجلس يضيء منها فأحضر الصاحب نجم الدين الحنفي الجوهري وسأله عن قيمتها فقال له نجم الدين الجوهري: إنمايعرف قيمتها من رأى مثلها وأنا وأنت والسلطان ومن حضر لم نر مثلها فكيف نعرف قيمتها فأعجب بكلامه وصالح عليها صاحبها. الصنف الرابع عين الهر قال التيفاشي: وهو في معنى الياقوت إلا أن الأعراض المقتصرة به أقعدته عن الياقوتية ولذلك إنما يوجد في معدن الياقوت المتقدم ذكره وتخرجه الرياح والسيول كما تخرج الياقوت على ما تقدم قال: ولم أجده في كتب الأحجار وكأنه محدث الظهور بأيدي الناس والغالب على لونه البياض بإشراف عظيم ومائية رقيقة شفافة إلا أنه ترى في باطنه نكتة على قدر ناظر الهر الحامل للنور المتحرك في فص مقلته وعلى لونه على السواد وإذا تحرك الفص إلى جهة تحركت تلك النكتة بخلاف جهته فإن مال إلى جهة اليمين مالت النكتة إلى جهة اليسار وبالعكس وكذلك الأعلى والأسف وإن كسر الحجر أو قطع على أقل جزء ظهرت تلك النكتة في كل جزء من أجزائه ولذلك يسمى: عين الهر. وأجوده ما اشتد بياض أبيضه وشفيف وكثرت مائية النكتة التي فيه مع سرعة حركتها وظهرو نورها وإشراقها ولا يخفى أن حسن الشكل وكير الجرم يزيدان في قيمته كسائر الأحجار. قال التيفاشي: والمشهور من منافعه عند الجمعور أنه يحفظ حامله من أعين السوء. ونقل عن بعض ثقات الجوهريين: أنه يجمع سائر الخواص التي في الياقوت البهرماني في منافعه ويزيد عليه بألا ينقص مال حامله ولا تعتبريه الآفات وأنه إذا كان في يد رجل وحضر مصاف حرب وهزم حزبه فألقى نفسه بين القتلى رى كل من يمر به من أعدائه كأنه مقتول متشحط في دمه وأن ثمنه بالهند مع قرب معدنه أغلى من ثمنه ببلاد المغرب بكثير لعلمهم بخواصه وقيمته تختلف بحسب الرغبة فيه وإذا وقع ببلاد المغرب بيع المثقال منه بخمسة دنانير ويزيد على ذلك بحسب الغرض. وذكر التيفاشي عن بعض التجار أن حجراً منه بيع في المعبر من بلاد الهند بمائة وخمسين ديناراً وأنه بيع منه حجر ببلاد الفرس بسبعمائة دينار. الصنف الخامس الماس قال بلينوس في كتاب الأحجار: وابتدأ في معدنه لينعقد ذهباً فأبعدته العوارض عن ذلك وهو يتكون في معدن الياقوت المقدم ذكره وتخرجه الرياح والسيول من معدنه كما تخرج الياقوت وهو ضربان: أحدهما أبيض شديد البياض يشبه البلور يسمى البلوري لذلك والثاني يخالط بياضه صفرة فيصير كلون الزجاج الفرعوني ويعبر عنه: بالزيتي. قال الكندي: والذي عاينته من هذا الحجر ما بين الخردلة إلى الجوزة ولم أر أعظم من ذلك. ومن خواصه: أنه بقطع كل حجر يمر عليه وإذا وضع على سندال حديد ودق بالمطرقة لم ينكسر وغاص في وجه السندال والمطرقة وكسرهما ولا يلتصق بشيء من الأجساد إلا هشم ويمحو النقوش التي في الأحجار كلها وإنما يكسر بأحد طريقين: أحدهما أن يجعل داخل شيء من الشمع ويدخل في أنبوب قصب وينقر بمطرقة أو غيرهما أن يجعل داخل شيء من الشمع ويدخل في أنبوب قصب وينقر بمطرقة أو غيرها برفق بحيث لا يباشر جسمه الحدي فينكسر حينئذ أو يجعل في أسرب وهو الرصاص ويفعل به ذلك فيكسر أيضاً. ومن خواصه: أن الذباب يشتهي أكله فما سقطت منه قطعة صغيرة إلا سقط عليها الذباب وابتلعها أو طار بها ومتى ابتلع منه الإنسان قطعه ولو أصغر ما يكون حرقت أمعاءه وقتلته على الفور. قال أرسطو طاليس: وبينه وبين الذهب محبة يتشبث به حيث كان. ومن خاصته: أن كل قطعة تؤخذ منه تكون ذات زوايا قائمة الرأس ست زوايا وثمان زوايا وأكثر وأقله: ثلاث زوايا وإذا كسر لا ينكسر إلا مثلثاًن وبه يثقب الدر والياقوت والزمرد وغيرها من جميع ما لا يعمل فيه الحديد من الأحجار كما يثقب الحديد الخشب بأن يركب في رأس مقار حديد منه قطعة بقدر ما يراد من سعة الثقب وضيقه ثم يثقب به فيثقب بسرعة. ومن منفعته فيما ذكره أرسطو طاليس: أن من كأنبه الحصاة الحادثة في المثانة في مجرى البول إذا أخذ حبة من هذا الحجر وألصقها في مرود نحاس بمصطكى إلصاقاً محكماً ثم أدخل المرود إلى الحصاة فإنها تثقبها. قال أحمد بن أبي خالد: وبذلك عالجت وصيفاً الخادم حصاة أصابته وامتنع من الشق عليها بالحديد. وقال ابن بوسطر: وإذا علق على البطن من الخارج نفع من المغس الشديد ومن فساد المعدة. وقيمته الوسطى فيما ذكره التيفاشي أن زنة قيراط منه بدينارين. ونقل عن الكندي: أن إغلى ما شاهد منه ببغداد المثقال بثمانين ديناراً وأرخص ما شاهد منه ببغداد أيضاً المثقال بخسمة عشر ديناراً وأنه إذا بدرت منه قطعة كبيرة تصلح لفص قدر نصف مثقال يضاعف ثمنها على ما هو قدر الخردلة أو الفلفلة ثلاثة أضعاف وأربعة وخسمة. الصنف السادس الزمرد يقال بالذال المعجمة والمهملة قال بلينوس: والزمرد ابتدأ لينعقد ياقوتاً وكان لونه أحمر إلا أنه لشدة تكاثف الحمرة بعضها على بعض عرض له السواد وامتزجت الحمرة والسواد فصار لونه أخضر. ومعدنه الذي يتكون فيه في التخوم بين بلاد مصر والسودان خلف أسوان من بلاد قال في مسالك الأبصار: وبينه وبين قوص ثمانية أيام بالسير المعتدل ولا عمارة عنده ولا حوله ولا قريباً منه والماء عنده على مسيرة نصف يوم أو أكثر في موضع يعرف بغدير أعين. فمنه ما يوجد قطعاً صغاراً كالحصى منبثة في تراب المعدن وهي الفصوص وربما أصيب العرق منه متصلاً فيقطع وهو القصب وهو أجوده. قال في مسالك الأبصار: وتلك العروق منبثة في حجر أبيض تستخرج منه بقطع الحجر. قال التيفاشي: ويوجد على بعضه تربة كالكحل الشديد السواد وهو أشده خضرة وأكثره ماء. وقد ذكر المؤيد صاحب حماه في تاريخه: إن السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب رحمه الله لما استولى على قصر الفاطميين بعد موت العاضد وجد فيه قصبة من زمرد طولها أربعة أذرع أو نحوها. وهو على ثلاثة أضرب: الأول الذبابي وهو شديد الخضرة لا يشوب خضرته شيء آخر من الألوان من صفرة ولا سواد ولا غيرهما حسن الصبغ جيد المائية شديد الشعاع ويسمى: ذبابياً لمشابهة لونه في الخضرة لون كبار الذباب الأخضر الربيعي وهو من أحسن الألوان خضرة وبصيصاً. قال في مسالك الأبصار: وهو أقل من القليل بل لا يكاد يوجد. الثاني الريحاني وهو مفتوح اللون شبيه بلون ورق الريحان. الرابع الصابوني ولونه كلون الصابون الأخضر. قال في مسالك الأبصار: وإذا استخرج الزمرد من المعدن جعل في زيت الكتان ثم لف في قطن وصر في خرقة كتان ونحوها ولم يزل العمل في هذا المعدن إلى أثناء الدولة الناصرية محمد بن قلاون فترك لكثرة كلفته. وأفضل أنواعه وأشرفها: الذبابي ويزداد حسنه بكبر الجرم واستواء القصبة وعدم الاعوجاج فيها. ومنعيوب الذبابي: اختلاف الصبغ بحيث يكون موضع منه مخالفاً للموضع الآخر وعدم الاستواء في الشكل والتشعير وهو شبه شقوق خفية إلا أنه لا يكاد يخلو منه والرخاوة وخفة الوزن وشدة الملاسة والصقال والنعومة وزيادة الخضرة والمائية إذا ركب على البطانة وهو ينحل بالنار ويتكلس فيها ولا يثبت ثبات الياقوت. ومن خاصية الذبابي التي امتاز بها عن سائر الأحجار: أن الأفاعي إذا نظرت إليه ووقع بصرها عليه انفقأت عيونها قال التيفاشي: وقد جربت ذلك في قطعة زمرد ذبابي خالص فحصلت أفعى وجعلتها في طشتٍ وألصقته بشمع في رأس سهم وقربته من عينها فسمعت قعقعة خفية كما في قتل صؤابةٍ فنظرت إلى عينيها فإذا هما قدر برزتا على وجهها وضعفت حركتها وبهذه الخاصة يمتحن الزمرد الخالص من غيره كما يمتحن الياقوت بالصبر على النار. ومن منافعه: أن من أدمن نظره أذهب عن بصره الكلال ومن تختم به دفع عنه داء الصرع إذا كان قد لبسه قبل ذلك ومن أجل ذلك كانت الملوك تعلقه على أولادها وإذا كان في موضع لم تقربه ذوات السموم وإذا سحل منه وزن ثمان شعيرات وسقيته شارب السم قبل أن يعمل السم فيهن خلصته منه وإذا تختم به نفث الدم أو إسهاله منع من ذلك وإذا علق على المعدة من خارج نفع من وجعها وشرب حكاكته ينفع من الجذام. وقيمة الذبابي الخالص في الحجر الذي زنته درهم: أربعة دنانير القيراط ويتضاعف بحسب كبره وينقص بحسب صغره إلا أنه لا ينقص بالصغر نقص غيره من الأحجار لوجود خاصيته في الكبير والصغير والمعوج والمستقيم. أما بقية أضناف الزمرد فإنه لا يعتد بها لعدم المنافع الموجودة في الذبابي. الصنف السابع الزبرج وهو حجر أخضر يتكون في معدن الزمرد ولذلك بظنه كثير من الناس نوعاً منه إلا أنه أقل وجوداً من الزمرد. قال التيفاشي: أما في هذا الزمان فإنه لا يوجد في المعدن أصلاً وإنما الموجود منه بأيدي الناس فصوص تستخرج بالنبش من الآثار القديمة بالإسكندرية وذكر أنه رأى منه فصاً في يد رجل وأجوده: الأخضر المعتدل الخضرة الحسن المائية الرقيق المستشف الذي ينفذه البصر بسرعة ودونه الأخضر المفتوح اللون وليس فيه شيء من خواص الزمرد إلا أن إدمان النظر إليه يجلو البصر. وقيمة خالصه نصف درهم بدينار. الصنف الثامن الفيروذج وهو حجر نحاسي يتكون في معادن النحاس من الأبخرة الصاعدة منها إلا أنه لا يوجد في جميع معادن النحاس ومعدنه الذي يوجد فيه بنيسابور ومنه يجلب إلى سائر البلدان ومنه نوع آخر يوجد في نشاور إلا أن النيسابوري خير منه. وهو ضربان: بسحاقي وخلنجي والخالص منه العتيق هو البسحاقي. وأجوده: الأزرق الصافي اللون المشرق الصفاء الشديد الصقالة المستوي الصبغ وأكثر ما يكون فصوصاً وذكر الكندي أنه رأى منه حجراً زنته أوقية ونصف. ومن خاصته: أنه يضفو بصفاء الجو ويكدر بكدرته وإذا مسه الدهن أذهب حسنه وغير لونه والعرق يطفئ لونه والمسك إذا باشره أفسده وأذهب حسنه وإذا وضع الفص الجيد منه إلى جانب ما هو دونه في الجودة أذهب بهجته وإذا وضع إلى جانب الدهنج غلب الدهنج على لونه فأذهب بهجته ولو كان الفص الفيروزج في غاية الحسن والجودة. ومن منافعه: أنه يجلو البصر بالنظر إليه وإذا سحق وشرب نفع من لدغ العقارب. وقيمته تختلف باختلاف الجودة اختلافاً كثيراً فربما كان الفصان منه زنتهما واحدة وثمن أحدهما دينار وثمن الآخر درهم. وبالجملة: فالخلنجي الجيد على النصف من البسحاقي الجيد. قال التيفاشي: وأهل المغرب أكثر الناس له طلباً وأشدهم في ثمنه مغالاة وربما بلغوا بالفص منه عشرة دنانير مغربية ويحرصون على التختم به وربما زعموا أنه يدخل في أعمال الكيمياء. الصنف التاسع الدهنج وقد ذكر أرسطو طاليس: أنه أيضاً حجر نحاسي يتكون في معادن النحاس يرتفع من أبخرتها ويتعقد لكنه لا يوجد في جميع معادن كرمان وسجستان من بلاد فارس. قال: ومنه ما يؤتى به من غار بني سليم من برية المغرب في مواضع أخرى كثيرة. وأجود أنواعه أربعة: وهي الإفرندي والهندي والكرماني والكركي وأجوده الجملة الأخضر المشبع الخضرة الشبيه اللون بالزمرد معرق بخضرة حسنة فيه أهلة وعيون بعضها من بعض حسان وأن يكون صلباً أملس يقبل الصقالة. ومن خاصته في نفسه: أنه يفه رخاوة بحيث أنه إذا صنع منه آنية أو نصب للسكاكين ومرت عليه أعداد سنين ذهب نوره لرخاوته وانحل ولذلك إذا حك انحك سريعاً وإذا خرط خرزاً أو أواني أو غير ذلك كان في خرطه سهولة وإذا نقع في الزيت اشتدت خضرته وحسن فإن غفل عنه حتى يطول لبثه في الزيت مال إلى السواد. ومن منافعه: انه إذا مسح به على مواضع لدغ العقرب سكنه بعض السكون وإذا سحق منه شيء وأذيب بالخل ودلك به موضع القوبة الحادثة من المرة السوداء أذهبها. ومن عجيب خواصه أنه إذا سقي من سحالته شارب سم نفعه بعض النفع وإن شرب منه من لم يشرب سماً كان سماً مفرطاً ينفط الأمعاء ويلهب البدن ويحدث فيه سماً لا يبرأ سريعاً لا سيما إذا حك بحديدة ومن أمسكه في فيه مصه أضربه. وقيمته ن الأفريدي الخالص منه كل مثقال بمثقالين من الذهب ويوجد منه فصوص وغيرها. وقد ذكر يعقوب بن إسحاق الكندي: انه رأى منه صحفة تسع ثلاثين رطلاً. الصنف العاشر البلور قال بلينوس: وهو حجر بورقي وأصله اليوقوتيه إلا أنه قعدت به أعراض عن بلوغ رتبة الياقوت وقد اختلف أصحابنا الشافعية رحمهم الله في نفاسته على وجهين: أصحهما أنه من الجوهر النفس كالياقوت ونحوه والثاني أنه ليس بنفيس لأن نفاسته في صنعته لا في جوهره. ويوجد بأماكن منها برية العرب من أرض الحجاز وهو أجوده ومنه ما يؤتي به من الصين وهو دونه ومنه ما يكون ببلاد الفرنجة وهو في غاية الجودة ومنه معادن توجد بأرمينية تميل إلى الصفرة الزجاجية. وقد ذكر التيفاشي: أنه ظهر في زمنه معدن منه بالقرب من مراكش من المغرب الأقصى إلا أن فيه تشعيراً وكثر عندهم حتى فرش منه لملك المغرب مجلس كبير أرضاً وحيطاناً ونقل عن بعض التجار: أن بالقرب من غزنة من بلاد الهند على مسيرة ثلاثة عشر يوماً منها بينها وبين كاشغر جبلين من بلور خالص مطلين على وادٍ بينهما وأنه يقطع في الليل لتأثير شعاعه إذا طلعت عليه الشمس بالنهار في الأعين. وأجوده: أصفاه وأنقاه واشفه وأبيضه وأسلمه من التشعير فإن كان مع ذلك كبير الجرم آنية أو غيرها كان غاية في نوعه. وقد ذكر الكندي: أن في البلور قطعاً تخرج كل قطعة منه من المعدن أكبر من مائة من. ونقل التيفاشي: أنه كان بقصر شهاب الدين الغوري صاحب غزة أربع خواب للماء كل خابية تسع ثلاث روايا ماء على محامل من بلور كل محمل ما بين ثلاثة قناطير إلى أربعة وذكر أيضاً أنه رأى منه صورة ديك مخروط من صنعة الفرنج إذا صب فيه الشراب ظهر لونه في أظفار الديك. ومن خاصته أيضاً: أنه إذا استقبل به الشمس ووجه موضع الشعاع الذي يخرج منه إلى خرقة سوداء احترقت وظهر فيها النار. ومن منافعه: أن من تختم به أو علقه عليه لم ير منام سوء. وقيمته تختلف بحسب كبر آنيته وصغرها وإحكام صنعتها. قال التيفاشي: وبالجملة فالقطعة التي تحمل منه رطلاً إذا كانت شديدة الصفاء سالمة من التشعير تساوي عشرة دنانير مصرية. الصنف الحادي عشر المرجان وهو حجر أحمر في صورة الأحجار المتشعبة الأغصان ومعدنه الذي يتكون فيه بموضع من بحر القلزم بساحل إفريقية يعرف بمرسى الخرز ينبت بقاعه كما ينبت النبات وتعمل له شباك قوية مثقلة بالرصاص وتدار عليه حتى يلتف فيها ويجذب جذباً عنيفاً فيطلع فيها المرجان. وربما وجد ببعض بلاد الفرنجة إلا أن الأكبر والأكثر والأحسن بمرسى الخرز ومنه يجلب إلى بلاد المشرق. ولأهل الهند فيه رغبة عظيمة وذا استخرج حك على مسن الماء ويجليى بالسنباذج المعجون بالماء على رخامة فيظهر لونه ويحسن ويثقب بالفورذ أو الحديد السمقى. وأجوده ما عظم جرمه واستوت قصباته واشتدت حمرته وسلم من التسويس وهو خروق توجد في باطنه حتى ربما كان منه شيء خاوٍ كالعظم واردؤه: ما مال منه إلى البياض أو كثرت عقده وكان فيه تشطيب ولا سبيل إلى سلامته من العقد الوجود التشعب فيه فإن اتفق أن تقع منه قطعة مصمتة مستوية لا عقد فيا ولا تشطيب كانت في نهاية الجودة. وقد يوجد منه قطع كبار فتحمل إلى صاحب إفريقية فيعمل له منها دوي وأنصبة سكاكين. قال التيفاشي: رأيت منها محبرة طول شبر ونصف في عرض ثلاث أصابع وارتفاع مثلها بغطائها في غاية الحمرة وصفاء اللون. وقد ذكر ابن الطوير في تاريخ الدولة الفاطمية بالديار المصرية وترتيبها: أنه كان لخلفاء الفاطميين دواة من المرجان تحمل مع الخليفة إذا ركب في المواكب العظام أمام راكب على فرس كما سيأتي ذكره في الكلام على المسالك والممالك في المقالة الثانية فيما بعد إن شاء الله تعالى. ومن خاصته في نفسه: أنه إذا ألقى في الخل لان وأبيض وإن طال مكثه فيه انحل وإذا تخذ منه خاتم أو غيره ولبس جميعه بالشمع ثم نقش في الشمع بإبرة بحيث ينكشف جرم المرجان وجعل في خل الخمر الحاذق يوماً وليلة أو يومين وليلتين ثم أخرج وأزيل عنه الشمع ظهرت الكتابة فيه حفراً بتأثير الخل فيه وبقية الخاتم على حاله لم يتغير. ومن منافعه فيما ذكره الإسكندر: أنه إذا علق على المصروع أو من به النقرس نفعه وإن أحرق واستن به زاد في بياض الأسنان وقلع الحفر منها وقوى اللثة وطريق أحراقه أن يجعل في كوز فخار ويطين رأسه ويوضع في تنور ليلة. وإذا سحق وشربه من به عسر البول نفعه ذلك ويحلل أورام الطحال بشربه وإذا علق على المعدة نفع من جميع عللها كما في الزمرد وإذا أحرق على ما تقدم وشرب منه ثلاثة دوانق مع دانق ونصف صمغ عربي ببياض البيض وشرب بماء بارد نفع من نفث الدم. قال التيفاشي: وقيمته بإفريقية غشيما الرطل المصري من خمسة دنانير إلى سبعة مغربية وهي بقدر دينارين إلى ما يقاربهما من الذهب المصري وبالإسكندرية على ضعفي ذلك وثلاثة أضعافه ومن الإسكندرية يحمل إلى سائر البلاد ويختلف سعره بحسب قرب البلاد وبعدها وقلته وكثرته وصغره وجودته ورداءته وحسن صنعته. الصنف الثاني عشرالبادزهر الحيواني وهو حجر خفيف هش. وأصل تكونه في الحيوان المعروف بالأيل بتخوم الصين وإن هذا الحيوان هناك يأكل الحيات قد اعتاد ذلك غذاء له فيحدث عن ذلك وجود هذا الحجر منه على ما سيأتي بيانه وقد اختلف الناس في أي موضع يكون من هذا الحيوان فقيل: إنه يتكون في مآقي عينيه من الدموع التي تسقط من عينيه عند أكل الحيات ويتربى الحجر حتى يكبر فيحتك فيسقط عنه وقيل: يكون في قلبه فيصاد لأجله ويذبح ويستخرج منه وقيل: في مرارته. قال أرسطاطاليس: وله ألوان كثيرة منها: الأصفر والأغبر المشرب بالحمرة والمشرب بالبياض. وأعظم ما يوجد منه من مثقال إلى ثلاثة مثاقيل. وأجوده: الخالص الأصفر الخفيف الهش ويستدل على خلوصه بكونه ذا طبقات رقاق متراكبة كما في اللؤلؤ وبه نقط خفية سود وأن يكون أبيض المحك مر المذاق. قال التيفاشي: وكثيراً ما يغش فتصنع حجارة صغار مطبقة من أشياء مجموعة تشبه شكل البادزهر الحيواني ولكنها تتميز عن البادزهر الحقيقي بأن المصنوع أغبر كمد اللون ساذج غير منقط والبادزهر الحقيقي الخالص: أصفر أو اغبر بصفرة فيه نقط صغار كالنمش وطبقاته أرق من طبقات المصنوع بكثير وهو أحسن من المصنوع وأهش ومحكه أبيض. ومن خاصته في نفسه: ن احتكاكه بالأجسام الخشنة يخشنه ويغير لونه وسائر صفاته حتى لا يكاد يعرف. وقد ذكر التيفاشي: أنه كان معه حجر منه فجعله مع ذهب في كيس وسافر به فاحتك بالذهب فتغير لونه ونقص وزنه حتى ظن أنه غير عليه وأنه ربطه بعد ذلك في خرقة ومن منافعه: دفع السموم القاتلة وغير القاتلة حارة كانت أو باردة من حيوان كانت أو من نبات وأنه ينفع من عض الهوام ونهشها ولدغها وليس في جميع الأحجار ما يقوم مقامه في دفع السموم. قد قيل: إن معنى لفظ بادزهر: النافي للسم فإذا شرب منه المسموم من ثلاث شعيرات إلى اثنتي عشرة شعيرة مسحوقة أو مسحولة أو محكوكة على المبرد بزيت الزيتون أو بالماء أخرج السم من جسده بالعرق وخلصه من الموت. وإذا سحق وذر على موضع النهشة جذب السم إلى خارج وأبطل فعله. قال ابن جمع: وإن حك منه على مسن في كل يوم وزن نصف دانق وسقيته الصحيح على طريق الاستعداد والاحتياط قاوم السموم القتالة ولم تخش له غائلة ولا إثارة خلط. ومن تختم منه بوزن اثنتي عشرة شعيرة في فص خاتم ثم وضع ذلك الفص على موضع اللدغة من العقارب وسائر الهوام ذوات السموم نفع منها نفعاً بيناً وإن وضع على فم الملدوغ أو من سقي سماً نفعه. قلت: هذه هي الأحجار النفيسة الملوكية التي تلتفت الملوك إليها وتعتني بشأنها أما غيرها من الأحجار كالبنفش والعقيق الجزع والمغناطيس اليشم السبجن واللازورد وغيرها مما ذكره المصنفون في الأحجار فلا اعتداد به ولا نظر إليه ولذلك أهملت ذكره. نفيس الطيب ويحتاج الكاتب إلى وصفه عند وصوله في هدية وما يجري مجرى ذلك والمعتبر منه أربعة أصناف: الصنف الأول المسك وهو أجلها. قال محمد بن أحمد التميمي المقدسي في كتابه طيب العروس: وأصل المسك من دابة ذات أربع أشبه شيء بالظبي الصغير قيل: لها قرن واحد وقيل: قرنان غير أن له نابين رقيقين أبيضين في فكه الأسفل خارجين من فيه قائمين في وجهه كالخنزير. قال بعض أهل المعرفة بالمسك: وهو فضل دموي يجتمع من جسمها إلى سرتها بمنزلة المواد التي تنصب إلى الأعضاء في كل سنة في وقت معلوم فيقع الورم في سرتها ويجتمع إليها دم غليظ أسود فيشتد وجعها حتى تمسك عن الرعي وورود المياه حتى يسقط عنها. ثم قيل: إن تلك الظباء تصاد وتذبح وتؤخذ سررها بما عليها من الشعر والمسك فيها دم عبيط وهي النوافج فإن كانت النافجة كثيرة الدم اكتفي بما فيها وإن كانت واسعة قليلة الدم زيد فيها من غيرها ويصب فيها الرصاص المذاب وتحاط بالخوص وتعلق في حلق مستراح أربعين يوماً ثم تخرج وتعلق في موضع آخر حتى يتكامل جفافها وتشتد رائحتها ثم تصير النوافج في مزاود صغار وتخطيها التجار وتحملها وقيل: إنه يبنى لهذه الظباء حين يعرض لها هذا العارض بناء كالمنارة في طول عظم الذراع لتأتي الظباء فتحك سررها بذلك البناء فتسقط النوافج حتى إنه يوجد في تلك المراغة ألوف من النوافج ما بين رطب وجامد. ثم قيل: إن هذه الظباء توجد بمفازات بين الصين وبين التبت والصغد من بلاد الترك وإن أهل التبت يلتقوطون ما قرب إليهم قد قيل: إن المسك يحمل إلى التبت من أرض بينها وبين التبت مسيرة شهرين. وبالجملة فإنه تختلف أسماء أنواعه باختلاف الأماكن التي ينسب إليها إما باعتبار أصل وجوده فيها وإما باعتبار مصيره إليها. وأجوده في الجملة: ما طاب مرعى ظبيه ومرعى ظبائه النبات الذي يتخذ منه الطيب كالسنبل ونحوه ولا يخفى أن بعض نبات الطيب أطيب رائحة من بعضن حتى يقال إن منه ما رائحته كرائحة المسك. وقيل أجوده: ما كمل في الظبي قبل بينونته عنه. وقال أحمد بن يعقوب: وأجود المسك في الرائحة والنظر ما كان تفاحياص تشبه رائحته رائحة التفاح اللبناني وكان لونه يغلب عليه الصفرة ومقاديره وسطاً بين الجلال والرقاق ثم ما هو أشد سواداً منه إلا أنه يقاربه في الرأي والمنظر ثم ما هو أشد سواداً منه وهو أدناه قدراً وقيمةً. قال وبلغني عن تجار الهند: أن من المسك صنفين آخرين يتخذان من نبات أرض: أحدهما لا يفسد بطول المكث والثاني يفسد بطول لمكث والمشهور منه عشرة أصناف. ونحن نوردها على ترتيبها في الفضل مقدماً منها في الذكر الأفضل فالأفضل على ما رتبه أحمد: الأول: التبتي وهو ما حمله التجار من التبت إلى خراسان على الظهر لطيب مرعاه وحمله في البردون البحر. الثاني: الصغدي وهو ما حمل من الصغد من بلاد الترك على الظهر إلى خراسان. الثالث: الصيني وإنما نقصت رتبته لأن مرعاه في الطيب دون مرعى التبتي ولما يلحقه منعفونه هواء البحر بطول مكثه فيهز وأفضل الصيني: ما يؤتى به من خانفو وهي مدينة الصين العظمى وبها ترسو مراكب تجار المسلمين ومنها يحمل في البحر إلى بحر فارس فإذا قرب من بلد الأبلة ارتفعت رائحته وإذا خرج من المركب جادت رائحته وذهبت عنه رائحة البحر. الرابع: الهندي وهو ما يحمل من التبت إلى الهند ثم يحمل إلى الدبيل ثم يحمل في البحر إلى سيراف من بلاد العجم وعمان من البحرين وعدن من اليمن وغيرها من النواحي وسبب انحطاط رتبته عن الصيني وإن كان من جنس التبتي مع أنه اقرب مسافةً من الصيني ما ذكره المسعودي: أنه إذا حمل إلى الهند أخذه كفرة الهند فلطخوه على أصنامهم من العام إلى العام ثم يبدلونه بغيره ويبيعه سدنة الأصنا فبطول مكثه على الأصنام تضعف رائحتحه على أن محمد بن العاباس قد فضل الهندي على الصيني لقرب مسافة حمله في البحر. الخامس: القنباري ويؤتى به منبلد تسمى قنبار بين الصين والتبت. قال أحمد بن يعقوب: وهو مسك جيد إلا أنه دون التبتي في القيمة والجوهر واللون والرائحة. قال: وربما غالطوا به فنسبوه إلى التبتي. السادس: الظغرغزي وهو مسك رزين يضرب إلى السواد يؤتى به من أرض الترك الطغرغز وهو التتر وهو بطيء السحق ولا يسلم من الخشونة إلا أنهم ربما غالطوا به أيضاً. السابع: القصاري ويؤتى به من بلد يقال لها القصار بين الهند والصين. قال ابن يعقوب: وقد يلحق بالصيني إلا أنه دونه في الجوهر والرائحة والقيمة. الثامن: الجزيري وهو مسك أصفر حسن الرائحة يشابه التبتي إلا أن فيه بزعارة. التاسع: الجبلي وهو مسك يؤتى به من السند من أرض الموليان وهو كبير النوافج حسن اللون إلا أنه ضعيف الرائحة. العاشر: العصماري وهو أضعف أصناف المسك كلها وأدناها قيمة يخرج من النافجة التي زنتها أوقية زنة درهم واحد من المسك. قلت: أما المسك الداري فإنه منسوب إلى دارين وهي جزيرة في بحر فارس معدودة من بلاد البحرين ترسو إليها مراكب تجار الهند ويحمل منها إلى الأقطار وليست بمعدن للمسك. الصنف الثاني العنبر قال محمد بن أحمد التميمي: والأصل الصحيح فيه أنه ينبع من صخور وعيون في الأرض يجتمع في قرار البحر فإذا تكاثف اجتذبته الدهانة التي هي فيه على اقتطافه من موضعه الذي تعلق به وطفا على وجه الماء وهو حار ذائب فتقطعه الريح وأمواج البحر قطعاً كباراً وصغاراً فترمي به الريح إلى السواحل لا يستطيع أحد أن يدنو منه لشدة حره وفورانه فإذا أقام أياماً وضربه الهواء جمد فيجمعه أهل السواحل. قال أحمد بن يعقوب: وربما ابتلعته سمكة عظيمة يقال لها: أكيال وهو فائر فر يستقر في جوفها حتى تموت فتطفو ويطرحها البرح إلى الساحل فيشق جوفها ويستخرج منها ويسمى: العنبر السمكي والعنبر المبيلوع. قال التميمي: وهو في لونه شبيه بالنار رديء في الطيب للسهوكة التي يكتسبها من السمك. قال: وربما طرح البحر القطعة العنبر فيبصرها طائر أسود كالخطاف فيرفرف عليها بجناحيه فإذا سقط عليها ليختطف بمنقاره منها تعلق منقاره ومخاليبه بها فيموت ويبلى ويبقى منقاره ومخاليبه فيها ويعرف: بالعنبر المناقيري. قال التميمي: ولأهل سواحل البحر التي يوجد بها العنبر نجب يركبونها مؤدبة تعرف العنبر يسيرون عليها في ليالي القمر على شاطئ البحر فإذا رأت العنبر وقد نام راكبها أو غفل بركت بصاحبها حتى ينزل عنها فيأخذه. قال التميمي: وألوان العنبر مختلفة منها: الأبيض وهو الأشهب والأزرق والرمادي والجزازي وهو الأبرش والصفايح وهو الأحمر وهما أدنى العنبر قدراً. قال: وأفضل العنبر وأجوده والذي وقفت على ذكره منه ستة أضرب: الأول: الشحري وهو ما يقذفه بحر الهند إلى ساحل الشحر من أرض اليمن. قال: وهو أجود أنواع العنبر وأرفعه وأفضله وأحسنة لوناً وأصفاه جوهراً وأغلاه قيمة. الثاني: الزنجي وهو ما يقذفه بحر البربر الآخذ من بحر الهند في جهة الجنوب إلى سواحل الزنج وما والاها. قال التميمي: وزعم الحسين بن يزيد السيرافي أنه أجود العنبر وأفضله ويؤتى به منها إلى عدن الثالث: السلاهطي قال التميمي: وأجوده الأزرق الدسم الكثير الدهن وهو الذي يستعمل في الغوالي. الرابع: القاقلي وهو ما يؤتى به من بحر قاقلة من بلاد الهند إلى عدن من بلاد اليمن وهو أشهب جيد الريح حسن المنظر خفيف وفيه يبس يسير وهو دون السلاهطي لا يصلح للغوالي إلا عن ضرورة وهو صالح للذرائر المكسات. الخامس: الهندي وهو ما يؤتى به من سواحل الهند الداخلة ويحمل إلى البصرة وغيرها ومنه نوع يؤتى به من الهند يسمى: الكرك بالوس يأتون به إلى قرب عمان تشتريه منهم أصحاب المراكب. السادس: المغربي وهو ما يؤتى به من بحر الأندلس فتحمله التجار إلى مصر وهو أردأ الأنواع كلها وهو شبيه في لونه بالعنبر الشحري. قال التميمي: ويغالط به فيه. قال التميمي: ومن العنبر صنف يعرف بالند ونقل عن جماعة من أهل المعرفة أن دابة تخرج من البحر شبيهة ببقر الوحش فتلقيه من دبرها فيؤخذ وهو لين يمتد فما كان منه عذب الرائحة حسن الجوهر فهو أفضله وأجوده. قال: وهو أصناف: أحدها الشحري وهو أسود فيه صفرة يخضب اليد إذا لمس ورائحته كرائحة العنبر اليابس إلا أنه لا بقاء له على النار وإنما يستعمل في الغوالي إذا عز العنبر السلاهطي. ومنه: الزنجي وهو نظير الشحري في المنظر ودونه في الرائحة وهو أسود بغير صفرة. ومنه: الخمري وهو يخضب اليد وأصول الشعر خضباً جيداً ولا ينفع في الطيب. قلت: أما المعروف في زماننا بالعنبر مما يلبسه النساء فإنما يقال له: الند وفيه بجزء من العنبر قال في نهاية الأرب: وهو على ثلاثة أضرب: الأول: المثلث وهو أجودها وأعطرها وهو يركب من ثلاثة أجزاء جزء من العنبر الطيب وجزء من العود الهندي الطيب وجزء من المسك الطيب. الثاني وهو دونه أن يجعل فيه من العنبر الخام الطيب عشرة مثاقيل ومن الند العتيق الجيد عشرة مثاقيل ومن العود الجيد عشرون مثقالاً. الثالث وهو أدناها أن يؤخذ لكل عشرة مثاقيل من الخام عشرة مثاقيل من الند العتيق وثلاثون مثقالاً من العود ومن المسك ما أحب. الصنف الثالث العود قال التميمي: أخبرني أبي عن جماعة من أهل المعرفة أنه شجر عظام تنبت ببلاد الهند فمنه ما يجلب من أرض قشمير الداخلة من أرض سرنديب ومن قمار وما اتصل بتلك النواحي قال: وأخبرني بعض العلماء به أنه لا يكون إلا من قلب الشجرة بخلاف ما قارب القشر كما في الأبنوس والعناب ونحوهما من الأشجار التي داخلها فيه دهانة وما في خارجها خشب أبيض وأنه يقطع ويقلع ظاهره من الخشب الأبيض ويدفن في التراب سنين حتى تأكل الأرض ما داخله من الخشب ويبقى العود لا تؤثر فيه الأرض. وحكى محمد بن العباس: أنه يكون في أودية بين جبال شاهقة لا وصول لأحد إليها لصعوبة مسلكها فيتكسر بعض أشجاره أو يتعفف بكثرة السيول لممر الأزمان فتأكل الأرض ما فيه من الخشب ويبقى صميم العود وخالصه فتجره السيول وتخرجه من الأودية إلى البحر فتقذفه الأمواج إلى السواحل فيلتقطه أهل السواحل ويجمعونه فيبيعونه. ويقالك إنه يأتي به قوم في المراكب إلى ساحل الهند فيقفون على البعد بحيث لا ترى أشخاصهم ثم يطلعون ليلاً فيضعونه بفرضة تلك البلاد ويخرج أهل البلد نهاراً فيضعون بإزائه بضائع ويتركونها إلى الليل فيأتي أصحاب العود فمن أعجبه ما بإزاء متاعه أخذه وإلا تركه فيزيدونه حتى يعجبه فيأخذه كما يحكى في السمور وغيره في ساكني أقصى الشمال. وأجود العود ما كان صلباً رزيناً ظاهر الرطوبة كثير المائية والدهنية الذي له صبر على النار وغليان وبقاء في الثياب. أما اللون فأفضله: الأسود والأزرق الذي لا بياض فيه ثم منهم من يفضل الأسود على الأزرق ومنهم من يفضل الأزرق على الأسود. وهو على ثمانية عشر ضرباً: الأول: المندلي نسبة إلى معدنه وهو مكان يقال له: المندل من بلاد الهند. قال محمد بن العباس الخشيكي: وهو أرفع أنواع العود وأفضلها وأجودها وأبقاها على النار وأعبقها بالثياب على أن التجار لم تكن تجلبه في الجاهلية وألي آخر الدولة الأموية ولا ترغب في حمله للمرارة في رائحته إلى أن دخل الحسين بن برمك إلى بلاد الهند هارباً من بني أمية ورأى العود المندلي فاستجاده ورغب التجار في حمله فلما غلب بنو العباس على بني أمية وحضر بنو برمك إليهم وقربوهم دخل الحسين بن برمك يوماً على المنصور فرآه يتبخر بالعود القماري فأعلمه أن عنده ما هو أطيب منه فأمره بإحضاره فأحضره إليه فاستحسنه وأمر أن يكتب إلى الهند بحمل الكثير منه فاشتهر بين الناس وعز من يومئذ واحتمل ما فيه من مرارة الرائحة وزعارتها لأنها تقتل القمل وتمنع من تكونه في الثياب. الثاني: القامروني وهو ما يجلب من القامرون وهو مكان مرتفع من الهند. وقيل القامرون: اسم لشجر من العود وهو أغلى العود ثمناً وأرفعه قدراً. قال التميمي: وهو قليل لا يكاد يجلب إلا في بعض الحين وهو عود رطب جداً شديد سواد اللون رزين كثير الماء. وذكر الحسين بن يزيد السيرافي: أنه ربما ختم عليه فانطبع وقبل الختم للينه. قال: ويكون فيه ما قيمة المن منه مائتا دينار. الثالث: السمندوري وهو ما يجلب من بلاد سمندور وهي بلد سفالة الهند ويسمى لطيب رائحته: ريحان العود وبعضه يفضل بعضاً. قال التميمي: وتكون القطعة الضخمة منه مناً واحداً. الرابع: القماري وهو ما يجلب من قمار وهي أرض سفالة الهند وبعضه يفضل بعضاً أيضاً وتكون القطعة منه نصف رطل إلى ما دون ذلك. الخامس: القاقلي وهو ما يجلب من جزائر بحر قاقلة وهوعود حسن اللون شديد الصلابة دسم فيه ريحانية خمرة وله بقاء في الثياب غلا أن قتاره ربما تغير على النار فينبغي ألا يستقصى إلى آخره. السادس: الصنفي وهو ما يجلب من بلد يقال لها الصنف ببلاد الصين وهو من أحلى الأعود وأبقاها في الثياب. قال التميمي: ومنهم من يفضله على القاقلي ويرى أنه أطيب وأعب وآمن من القتار وربما قدموه على القماري أيضاً. قالوا: وأجود الصنفي الأسود الكثير الماء وتكن القطعة منه مناً وأكثر وأقل. ويقال: إن شجره أعظم من شجر الهندي والقماري. السابع: الصندفوري وهو ما يجلب من بلاد الصندفور من بلاد الصين وهو دون الصنفي ويقال: إنه صنف منه ولذلك كانت قيمته لاحقةً بقيمته وفيه حسن لون وحلاوة رائحة ورزانة وصلابة إلا أنه ليس بالقطع الكبار. الثامن: الصيني ويؤتى به من الصين وهو عود حسن اللون أول رائحته تشاكل رائحة الهندي إلا أن قتاره غير محمود وتكون القطعة منه نصف رطل وأكثر واقل. التاسع: القطعي وهو عود رطب حلو طيب الرائحة وهو نوع من الصيني. العاشر: القسور وهو عود رطب حلو طيب الرائحة وهو أعذب رائحة من القطعي إلا أنه دونه في القيمة. الحادي عشر: الكلهي وهو عود رطب يمضغ وفيهب زعارة وشدة مرارة للدهانة التي فيه وهو من أعبق الأعواد في الثياب وأبقاها. الثاني عشر: العولاتي وهو عود يجلب من جزيرة العولات بنواحي قمار من أرض الهند. الثالث عشر: اللوقيني وهو ما يجلب من لوقين وهي طرف ن أطراف الهند وله خمرة في الثياب إلا أنه دون هذه الأعواد في الرائحة والقيمة. الرابع عشر: المانطائي وهو ما يجلب من جزيرة مانظاء وقيمته مثل قيمة اللوقيني وهو خفيف ليس بالحسن اللون. قال أحمد بن العباس: وهو قطع كبار ملس لا عقد فيها إلا أن رائحته ليست بطيبة وإنما يصلح للأدوية. الخامس عشر: القندغلي ويؤتى به من ناحية كله وهي ساحل الزنج وهو يشبه القماري إلا أنه لا طيب لرائحته. السادس عشر: السمولي وهو عود حسن المنظر فيه خمرة وله بقاء في الثياب. السابع عشر: الرنجي وهو عود يشبه قرون الثيران لا ذكاء له ولا بقاء في الثياب. الثامن عشر: المحرم سمي بذلك لأنه قد وقع بالبصرة فشك الناس في أمره فحرمه السلطان ومنعه فسمي المحرم وهو من أدنى أصناف العود. وجعل بعضهم بين الصنفي والقاقلي بصنفاً يقال له: العطلي يؤتى به من الصين وهو عود صلب خفيف حسن المنظر إلا أنه قليل الصبر على النار. وقد ذكر أحمد بن العباس بعد ذلك منها: الأفليق وهويؤتى به من أرض الصين يكون في العظم مثل الخشب الرانجي الغلاظ يباع المن منه بدينار وأقل وأكثر والعود الطيب الريح في قشوره وداخله خشب خفيف مثل الخلاف وإذا وضع على الجمر وجد له في أوله رائحة حلوة طيبة فإذا أخذت النار منه ظهرت منه رائحة رديئة كرائحة الشعر. الصنف الرابع الصندل وهو خشب شجر يؤتى به من سفالة الهند وهو على سبعة أضرب: الأول: المقاصيري وهو الأصفر الدسم الرزين الذي كأنه مسح بالزعفران الذكي الرائحة. واختلف في سبب تسميته بالمقاصيري فقيل: نسبة إلى بلد تسمى: مقاصير وقيل: إن بعض خلفاء بني العباس اتخذ لبعض أمهات أولاده ومحاظيه مقاصير منه وهو شجر عظام يقطع رطباً وأجوده ما اصفر لونه وذكت رائحته ولم يكن فيه زعارة. قال التميمي: وهو يدخل في طيب النساء الرطب وليابس وفي البرمكيات والمثلثات والذرائر ويتخذ منه قلائد ويدخل في الأدوية ويقال: إن صاحب اليمن الآن يعمل له منه الأسرة وإنه يأمر بقطع ما يحمل منه من اليمن إلى غيرها من البلاد قطعاً صغاراً حتى لا يكون منها ما يعمل سريراً لغيره من الملوك. الثاني: الأبيض منه الطيب الريح وهو من جنس المقاصيري المتقدم ذكره لا يخالفه في شيء إلا في البياض ويقال: إن المقاصيري هو باطن الخشب وهذا الأبيض ظاهره. الثالث: الجوزي وهو صلب العود أبيض يضرب لونه إلى السمرة ويؤتى به من موضع يقال له: الجوز وهو طيب الرائحة إلا أنه أضعف رائحة من الذي قبله. الرابع: الساوس ويقال: الكاوس وهو صندل أصفر طيب الرائحة إلا أن في رائحته زعارةً ويستعمل في الذرائر والمثلثات في الطيب والبخورات. الخامس: يضرب لونه إلى الحمرة وهو على نحو من الذي قبله. السادس: صندل جعد الشعرة لا بساطة فيه إذا شقق بل يكون فيه تجعيد كما في خشب الزيتون وهو أذكى أصناف الصندل إلا أنه لا يستعمل في شيء سور البخورات والمثلثات. السابع: أحمر اللون وهو خشب حسن اللو ثقيل الوزن لا رائحة له إلا أنه تتخذ منه المنجورات والمخروطات كالدوي وقطع الشطرنج ونحوها مع ما يدخل فيه من الأعمال الطيبة. قلت: هذا ما يحتاج الكاتب إلى وصفه من أصناف الطيب النفيسة مما يهدي أو يرد هدية ويجري ذكره في مكاتبات الملوك أما ما عدا ذلك من أصناف الطيب كالسنبل والقرنفل والكافور فليس من هذا القبيل. ما يحتاج إلى وصفه من الآلات وهي أصناف الصنف الأول الآلات الملوكية ويحتاج الكاتب إلى وصفها عند وصف المواكب الحفيلة التي يركب فيها السلطان وهي عدة آلات: منها: الخاتم بفتح التاء وكسرها وحكى فيه ابن قتيبة والجوهري وغيرهما خيتام وخاتام وهو ما جعل في الإصبع من الحلي وهو مأخو من الختم وهو الطبع سمي بذلك لأنه يختم بنقشه على الكتب الصادرة عن الملوك. وسيأتي في الكلام على ختم الكتب: إن النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يكتب إلى بعض ملوك الأعاجم فقيل له: إنهم لا يقرأون كتاباً غير مختومٍ فاتخذ خاتماً من ورقٍ وجعل نقشه محمد رسول الله واقتدى به في ذلك الخلفاء بعده ثم توسعوا فيه إلى أن جعلوا للكتب طابعاً مخصوصاً وأفردوا له ديواناً سموه ديوان الخاتم واقتفى الملوك أثرهم في ذلك ثم غلب بمملكتنا وما ناهزها الاكتفاء في المكاتبات باللصاق وصار اسم الخاتم مقصوراً على ما يجعل في الإصبع خاصة سواء كان فيه نقش أم لا وصارت الملوك إنما تلبس الخواتم بفصوص الجواهر من اليواقيت ونحوها تجملاً وربما بعثت بها في تأمين الخائف علامة للرضا عليه ومنها: المنديل بكسر الميم وهو منديل يجعل في المنطقة المشدودة في الوسط مع الصولق وغيره ثم جرى اصطلاح الملوك على البعث به في الأمانات كما تقدم في الخاتم. والمنديلك آلة قديمة للملوك فقد حكي أنه كان للأفضل بن أمير الجيوش أحد وزراء الفاطميين مائة بدلة مغلقة على أوتاد من ذهب على كل بدلة منها منديل من لونها ولم يكن المنديل من آلات الخلافة بل إنما كان من آلاتها البردة على ما سيأتي ذكره في الكلام على ترتيب الخلافة في المقالة الثانية إن شاء الله تعالى. ومنها: التخت ويقال له: السرير وهو ما يجلس عليه الملوك في المواكب ولم يزل من رسوم الملوك قديماً وحديثاً رفعةً لمكان الملك في الجلوس عن غيره حتى لا يساويه غيره من جلسائه وقد أخبر تعالى في كتابه العزيز أنه كان لسليمان عليه السلام كرسي بقوله: ثم هذه الأسرة تختلف باختلاف حال الملوك فتارة تكون من أبنية رخام ونحوه وتارة تكون من خشب وتارة من فرشٍ محشوة متراكبة وقد حكي أنه كان لملوك الفرس سرير من ذهب يجلسون عليه وكان عمرو بن العاص رضي الله عنه وهو أمر مصر يجلس مع قومه على الأرض غير مرتفع عليهم ويأتيه المقوقس ومعه سرير من ذهب يحمل معه على الأيدين فيجلس عليه فلا يمنعه عمرو من ذلك إجراءً له على عادته في الملك فيما قيل لما عقده له من الذمة واتخذه معه من العهد. ومنها: المظلة واسمها بالفارسية: الجنز بنون بين الجيم والزاري المعجمة ويعبر عنها العامة الآن بالقبة والطبر وهي قبة من حرير أصفر تحمل على رأس الملك على رأس رمح بيدج أمير يكون راكباً بحذاء الملك يظله بها حالة الركوب من الشمس في المواكب العظام وسيأتي ذكرها في الكلام على ترتيب المملكة في الدولة الفاطمية. وهذه الدولة في المقالة الثانية إن شاء الله تعالى. ومنها: الرقبة وهي لباس لرقبة فرس السلطان من حرير أصفر قد طرزت بالذهب الزركش حتى غلب عليها وصار الحرير غير مرئي فيهان تشد على رقبة فرس الملك في المواكب العظام لتكون مضاهية لما يركب به من الكنبوش الزركش المغطي لظهر الفرس وكفله. ومنها: الغاشية وهي غاشية سرج من أديم مخروزة بالذهب يظنها الناظر كلها ذهباً ويلقيها على يديه يميناً وشمالاً. ومنها: الحفتاه وهي فرسان أشهبان قريباً الشبه برقبتين من زركش وعدة تضاهي عدة مركوب السلطان كأنهما معدان لأن يركبهما السلطان يعلوهما مملوكان من المماليك السلطانية ومنها: المنطقة بكسر الميم وهي ما يشد في الوسط وعنها يعبر أهل زماننا بالحياصة وهي من الآلات القديمة فقد روي: أن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه كان له منطقة. وهذه الآلة قد ذكرها في التعريف في الآلات الملوكية على أن ملوك الزمان لم تجرلهم عادة بشد منطقة وإنما يلبسها الملك للأمراء عند إلباسهم الخلع والتشاريف وهي تختلف بحسب اختلاف الترتب فمنها ما يكون من ذهب مرصع بالفصوص ومنها ما ليس كذلك. ومنها: الأعلام وهي الرايات التي تحمل خلف السلطان عند ركوبه وهي من شعار الملك القديمة وقد ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعقد لأمراء سر إياه الرايات عند بعثها ثم قد يعبر عن بعضها بالعصائب جمع عصابة وهي الألوية أخذاً من عصابة الرأس لأن الراية تعصب رأس الرمح من أعلاه وقد يعبر عنها بالسناجق جمع سنجق والسنجق باللغة التركية معناه الطعن سميت الراية بذلك لأنها تكون في أعلى الرمح والرمح هو آلة الطعن يسمى بذلك مجازاً. ومنها: الطبول ويقال لها: الدبادب البوقات والزمر المعروف بالصهان الذي يضرب به عشية كل ليلة بباب الملك وخلفه إذا ركب في المواكب ونحوها وهي المعبر عنها بالطبلخاناه وهي من شعار الملك القديم. وقد ذكر في مسالك الأبصار: أن الطبل في بلاد المغرب يختص ضربه بالسلطان دون غيره من كل أحد كما سيأتي ذكره في الكلام على مملكة المغرب في المسالك ولممالك إن شاء الله تعالى. الصنف الثاني آلات الركوب وهي عدة آلات منها: السرج وهو ما يقعد فيه الراكب على ظهر الفرس وأشكال قوالبه مختلفة ثم من السرج ما يكون مغشى بالذهب وهو مما يصلح للملوك. ومنها: ما يكون مغشى بالفضة البيضاء وكل منها قد يكون منقوشاً وقد يكون غير منقوش ومنها ما يكون بأطراف فضة ومنا ما يكون ساذجاً. ومنها: اللجام وهو الذي يكون في فك الفرس بمنعه من الجماح وقوالبه أيضاً مختلفة ثم منها ما يكون مطلياً بالذهب ومنها ما يكون مطلياً بالفضة ومنها ما يكون ساذجاً ومنها ما يكون رأسه وجنباه محلى بالفضة ومنها ما يكون غير محلى. ومنها: الكنبوش وهو ما يستر به مؤخر ظهر الفرس وكفله وهو تارة يكون من الذهب الزركش وتارة يكون من المخايش وهي الضة الملبسة بالذهب وتارة يكون من الصوف المرقوم وبه يركب القضاة وأهل العلم. ومنها: العباءة بالمد وهي التي تقوم مقام الكنبوش. ومنها: المهماز وهو آلة من حديد تكون في رجل الفارس فوق كعبه فوق الخف وما في معناه ومؤخره إصبع محدد الرأس إذا أصاب جانب الفرس تحركت وأسرعت في المشي أو جدت في العدو وهو تارة يكون من ذهب محض وتارة يكون من فضة وتارة يكون من حديد مطلي بالذهب أو الفضة وقد اعتاد القضاة والعلماء في زماننا تركه. ومنها: الكور وهو ما يقعد فيه الراكب في ظهر النجيب وهو الهجين والعرب تسميه: الرحل ثم قد يكون مقدمه ومؤخره مغشى بالذهب أو الفضة وقد يكون غير مغشى. ومنها: المزمام وهو ما يقاد به النجيب ويضبطه به الراكب كما يضبط الفارس الفرس بالعنان. ومنها: الركاب وهو ما تجعل فيه الرجل عند الركوب وكانت العرب تعتاده من الجلد والخشب ثم عدل عن ذلك إلى الحديد. قال أبو هلال العسكري في كتابه الأوائل: وأول من اتخذه من الحديد المهلب بن أبي صفرة وكانت ركب العرب من خشب فكان الفارس يصك الراكب بركابه فيوهن مرفقه. ومنها: السوط وهو ما يكون بيد الراكب يضرب به الفرس أو النجيب وأهل زماننا يعبرون عنه بالمقرعة لأنه يقرع به المركوب إذا تقاعس وهو بدل من القضيب الذي كان للخلفاء على ما سيأتي ذكره في الكلام على ترتيب الخلافة في المقالة الثانية إن شاء الله تعالى. منها: المحفة بكسر الميم وهي محمل على أعلاه قبة وله أربعة سواعد: ساعدان أمامها وساعدان خلفها تكون مغطاة بالجوخ تارة وبالحرير أخرى تحمل على بغلين أو بعيرين يكون أحدهما في مقدمتها والآخر في مؤخرتها وإذا ركب فيها الراكب صار كأنه قاعد على سرير لا يلحقه انزعاج وقد جرت عادة الملوك والأكابر باستصحابها في السفر خشية ما يعرض من المرض. ومنها: المحمل بكسر الميم الأولى وفتح الثانية وهو آلة كالمحفة إلا أنه يحمل على أعلى ظهر الجمل بخلاف المحفة فإنها تحمل بين جملين أو بغلين. ومنها: الفوانيس جمع فانوس وهو آلة كرية ذات أضلاع من حديد مغشاة بخرقة من رقيق الكتان الصافي البياض يتخذ للاستضاءة بغرز الشمعة في أسفل باطنه فيف عن ضوئها ومن شأنه أن يحمل منها اثنان أما السلطان أو الأمير في السفر في الليل. ومنها: المشاعل جمع مشعل وهي آلة من حديد كالقفص مفتوح الأعلى وفي أسفله خرقة لطيفة توقد فيه النار بالحطب فيبسط ضوءه يحمل أما السلطان ونحوه في السفر ليلاً أيضاً. ومنها: الخيام جمع خيمة ويقال لها: الفسطاط والقبة أيضاً ويه بيوت تتخذ من خرق القطن الغليظ ونحوه تحمل في السفر لوقاية الحر والبرد وكانت العرب تتخذها من الأديم وقد امتن الله تعالى عليهم بذلك في قوله تعالى: والملوك تتناهى في سعتها وتتباهى بكبرها. وسيأتي في الكلام على ترتيب الدولة الفاطمية أنه كان لبعض خلفائهم خيمة تسمى: القاتول سميت بذلك لأن فراشاً من الفراشين وقع من أعلى عمودها فمات لطوله. ومنها: الخركاه وهي بيت من خشب مصنوع على هيئة مخصوصة ويغشى بالجوخ ونحوه تحمل في السفر لتكون في الخيمة للمبيت في الشتاء لوقاية البرد. ومنها: القدور وجمع قدر وهي الآلة التي يطبخ فيها وتكون من نحاس غالباً وربما كانت من برام. والملوك تتباهى بكثرتها وعظمها لأنها من دلائل كرم الملك وكثرة رجاله وقد أخبر الله تعالى عن سليمان عليه السلام بعظيم قدر ما كانت الجن تعمله له من القدور بقوله: ومنها: الأثافي وهي الآلة المثلثة التي تعلق عليها القدر عند الطبخ. وتكون من حديد. ومنها: النار التي يوقد بها للطبخ ونحوه وقد تقدم في الكلام على نيران العرب ذكر نار القرى وهي نار كانت ترفع ليلاً ليراها الضيف فيهتدي بها إلى الحي. ومنها: الجفان جمع جفنة وهي الآنية التي يوضع فيها الطعام وقد تقدم في الكلام على القدور أنها مما كانت الجن تعمله لسليمان عليه السلام أيضاً. وقد كانت العرب تفتخر بكبر الجفان لدلالتها على الكرم وفي ذلك يقول الأعشى في مدح المحلق ليلة بات عليه: نفي الذام عن آل المحلق جفنة كجابيه الشيخ العراقي تفهق قيل: أراد بالشيخ العراقي كسرى فشبه جفنته بجفنته. ومنها: حياض الماء وهي حياض من جلد تحمل في السفر ليبقى الماء فيها لسقي الدواب ونحوها وكبر قدرها دليل على رفعة قدر صاحبها وفخامته لدلالتها على كثرة دوابه واتساع عسكره. الصنف الرابع آلات السلاح وهي عدة آلات منها: السيف وهو معروف. وسيأتي في الكلام على الألقاب في المقالة الثالثة أنه مأخوذ من قولهم: ساف إذا هلك لأنه به يقع الهلك. وأعلم أن السيف إن كان من حديد ذكر وهو المعبر عنه بالفولاذ قيل: سيف فولاذ وإن كان من حديد أنثى وهو المعبر عنه في زماننا بالحديد قيل: سيف أنيث فإن كان متنه من حديد أنثى وحداه من حديد ذكركما في سيوف الفرنجة قيل: سيف مذكر. ويقال: إن الصاعقة إذا نزلت إلى الأرض وردت صارت حديداً وربما حفر عليها وأخرجت فطبعت سيوفاً فتجيء في غاية الحسن والمضاء. ثم إن كان عريض الصفيح قيل له: صفيحة وإن كان محدقاً لطيفاً قيل له: قضيب فإن كان قصيراً قيل: أبتر فإن كان قصره بحيث يحمل تحت الثياب ويشتمل عليه قيل: مشمل بكسر الميم فإن كان له حد وجانبه الآخر جاف قيل فيه: صمصامة وبهذا كن يوصف سيف عمرو بن معدي كرب فارس العرب فإن كان فيه حزوز مستطيلة قيل فيه: فقارات وبذلك سمي سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم ذا الفقار يروى أنه كان فيه سبع عشرة فقارة. ثم تارة ينسب السيف إلى الموضع الذي طبع فيه فيقال فيما طبع بالهند: هندي ومهند وفيما طبع باليمن: يمان وفيما طبع بالمشارف وهي قرى من قرى العرب قريبة من ريف العراق قيل له: مشرفي فإن كان من المعدن المسمى بقساس وهو معدن موصوف بجودة الحديد قيل له: قساسي. وتارة ينسب السيف إلى صاحبه كالسيف السريجي نسبة إلى قين من قيون العرب اسمه: سريج معروف عندهم بحسن الصنعة. ويوصف السيف بالحسام وهو القاطع أخذاً من الحسم وهو القطع وبالصارم وهو الذي لا ينبو عن الضريبة. والناس يبالغون في تحلية السيوف فتارة ترصع بالجواهر وتارة يحلونها بالذهب وتاره يحلونها بالفضة وإن كان الاعتبار إنما هو بالسيف لا بالحلية. ومنها: الرمح: وهو آلة الطعن. والرماح ضربان: أحدهما: متخذ من القنا وهو قصب مسدود الداخل ينبت ببلاد الهند يقال للواحدة منه: قناة ويقال لمفاصلها: أنابيب ولعقدها: كعوب فإن كان قد نشأ في نباته مستقيماً بحيث لا يحتاج إلى تثقيف قيل له: الصعدة بفتح الصاد وسكون العين المهملتين وان احتاج إلى تقويم مقوم قيل له: مثقف. ويوصف القنا: بالخطي بفتح الخاء المعجمة نسبة إلى الخط وهي بلدة بالبحرين تجلب إليها الرماح من الهند وتنقل منها إلى بلاد العرب وليست تنبت القنا كما توهمه ابن اصبغ في أرجوزته المذهبة. الثاني: ما يتخذ من الخشب كالزان ونحوه ويسمى: الذابل الذال المعجمة وكسر الموحدة. ويقال للحديد الذي في أعلى الرمح: السنان وللذي في أسفله: الزج والعقب. ويوصف الرمح: بالأسمر لأن لون القنا السمرة وبالعسال وهو الذي يضطرب في هزه وباللدان وهو اللين وبالسمهري نسبة إلى بلدة يقال لها سمهرة من بلاد الحبشة وقيل إلى المسهرة وهي الصلابة. ومنها: الطبر وهو باللغة الفارسية الفأس ولذلك يسمى السكر الصلب: بالطبرذ يعني الذي يكسر بالفأس. والى الطبر تنسب الطبر دارية وهم الذين يحملون الأطبار حول السلطان على ما سيأتي ذكره في الكلام على ترتيب المملكة في المسالك والممالك إن شاء الله تعالى. ومنها: السكين وسيأتي ذكرها في آلات الدواة في الكلام على آلات الكتابة وإنما سميت سكيناً لأنها تسكن حركة الحيوان وتسمى: المدية أيضاً لأنها تقطع مدى الأحل. وهذه الاشتقاقات أولى بآلة الحرب من آلة الكتابة. وحاصل الأمر أن السكين تختلف أحوالها بحسب الحاجة إليها فتكون لكل شيء بحسب ما يناسبه. ومنها: القوس وهي مؤنثة. والقسي على ضربين. أحدهما: العربية وهي التي من خشب فقط ثم إن كانت من عود واحد قيل لها: قضيب وإن كانت من فلقين قيل لها: فلق. الثاني: الفارسية وهي التي تركب من أجزاء من الخشب والقرن والعقب والغراء ولأجزائها أسماء يخص كل جزء منها اسم فموضع إمساك الرامي من القوس يسمى: المقبص ومجرى السهم فوق قبض الرامي يسمى: كبد لقوس وما يعطف من القوس يسمى: سية القوس وما فوق المقبض من القوس وهو ما على يمين الرامي يسمى: رأس القوس وما أسفله وهو ما على يسار الرامي يسمى: رجل القوس. ومنها: النشاب والنبلح فالنبل ما يرمى به عن القسي العربية والنشاب ما يرمى به عن القسي الفارسية حكاه الأزهري. ومجرى الوتر من السهم يسمى: الفوق حديده يسمى: النصل والريش يسمى: القذذ والسهم قبل تركيب الريش يسمى: القدح بكسر القاف وسكون الدال المهملة. ومنها: الكنانة ويقال لها. الجعبة وهي بكسر الكاف وهي ظرف السهام وتكون تارةً من جلد وتارة من خشب. ومنها: الدبوس ويسمى: العامود وهو آلة من حديد ذات أضلاع ينتفع بها في قتال لابس البيضة ومن في معناه ويقال إن خالد بن الوليد رضي الله عنه به كان يقاتل. ومنها: العصا وهي آلة من خشب تفيد في القتال نحو إفادة الدبوس. ومنها: البيضة وهي آلة من حديد توضع على الرأس لوقاية الضرب ونحوه وليس فيه ما ومنها: المغفر بكسر الميم وهو كالبيضة إلا أن فيه بأطرافاً مسدولة على قفا اللابس وأذنيه وربما جعل منها وقاية لأنفه أيضاً وقد تكون من زرد أيضاً. ومنها: الدرع وهو جبة من الزرد المنسود يلبسها المقاتل لوقاية السيوف والسهام وهي تذكر وتؤنث وقد أخبر الله تعالى عن داود عليه السلام أنه ألين له الحديد فكان يعمل منه الدروع بقوله تعالى: " وألنا له الحديد أن اعمل سابغات وقدر في السرد ". وقوله: " وعلمناه صنعة لبوسٍ لكم لتحصنكم من بأسكم " ولذلك تنسب الدروع الفائقة إلى نسج داود عليه السلام. ومن الدروع ما يقال لها: السلوقية نسبة إلى سلوق قرية من قرى اليمن وربما قيل: دروع حطومية بضم الحاء المهملة نسبة لحطوم رجل من عبد القيس. واعلم أن لبس العرب في الحرب كان الزرد أما الآن فقد غلب عمل الفرقلات من الصفائح المتخذة من الحديد المتواصل بعضها ببعض. ومنها: الترس وهو الآلة التي يتقي بها الضرب والرمي علن الوجه ونحوه وتسمى: الجنة أيضاً بضم الجيم أخذاً من الاجتنان وهو الاختفاء وربما قيل لها: الحجفة بفتح الحاء المهملة والجيم ثم هي تارة تكون من خشب وتارة تكون من حديد وتارة تكون من عيدان مضموم بعضها إلى بعض بخيط القطن ونحوه فإن كانت من جلد قيل لها: درقة بفتح الدال والراء المهملتين. منها: المنجنيق: بفتح الميم وسكون النون وفتح الجيم وكسر النون الثانية وسكون الياء وقافٍ في الآخر وحكى ابن الجواليقي فيه كسر الميم وحكي فيه منجنوق بالواو ومنجميق بإبدال النون الثانية ميماً وهو أسم أعجمي فإن الجيم والقاف لا يجتمعان في كلمة عربية ويجمع على مجانيق ومناجيق. قال الجوهري: وأصله منجيتيك وتفسيره بالعربية: ما أجودني. قال ابن خلكان: تفسير من وتفسير جي: ايش وتفسير نيك: جيد. قال ابن قتيبة في كتابه المعارف وأبو هلال العسكري في الأوائل: وهو آلة من خشب لها دفتان قائمتان بينهما سهم طويل رأسه ثقيل وذنبه خفيف وفيه تجعل كفة المنجنيق التي يجعل فيها الحجر يجذب حتى ترفع أسافله على أعاليه ثم يرسل فيرتفع ذنبه الذي فيه الكفة فيخرج الحجر منه فما أصاب شيئاً إلا أهلكه. وأول من وضع المنجنيق: جذيمة الأبرش ملك الحيرة على العرب. وذكر الواحدي في تفسير سورة الأنبياء: أن الكفار لما أضرموا النار لإحراق إبرايم عليه السلام ولم يقدروا على القرب من النار ليلقوه فيها فجاءهم اللعين إبليس فعلمهم وضع النجنيق فعملوه وألقوه فيه فقذفوا به في النار فكن أول منجنيقٍ عمل. ومما يلتحق بالمنجنيق: الزيارت وهي اللوالب والحبال التي يجذب بها المنجنيق حتى بنحط أعلاه ليرمى به الحجر. ومنها: السهام الخطاية وهي سهام عظام يرمى بها عن قسي عظام توتر بلوالب يجربها ويرمى عنها فتكاد تخرق الحجر. ومنها: مكاحل البارود وهي المدافع التي يرمى عنها بالنفط وحالها مختلف: فبعضها يرمى عنه بأسهم عظام تكاد تحرق الحجر وبعضها يرمى عنه ببندق من حديد من زنة عشرة أرطال بالمصري إلى ما يزيد على مائة رطل وقد رأيت بالإسكندرية في الدولة الأشرفية شعبان بن حسين في نيابة الأمير صلاح الدين بن عرام رحمه الله بها مدفعاً قد صنع من نحاس ورصاصٍ وقيد بأطراف الحديد رمي عنه من الميدان ببندقةٍ من حديد عظيمة محماة فوقعت في بحر السلسلة خارج باب البحر وهي مسافة بعيدة. ومنها قوارير النفظ وهي قدور ونحوها يجعل فيها النفط ويرمى بها على الحصون والقلاع للإحراق على أن القوارير في اللغة اسم للزجاج وإنما استعيرت في آلات النفط مجازاً. ومنها الستائر وهي آلات الوقاية من الطوارق وما في معناها مما يستر به على الأسوار والسفن التي يقع فيها القتال ونحو ذلك. منها قوس البندق ويسمى الجلاهق قوس يتخذ من القنا ويلف عليه الحرير ويغري وفي وسط وتره قطعة دائرة تسمى الجوزة توضع فيها البندقة عند الرمي. ومنها الجراوة وهي آلة من جلد يجعل فيها البندق الطين الذي يرمى به القوس المقدم ذكره. ومنها الشباك وهي آلة تتخذ تعقد من خيطان وتنصب لا قتناص الصيد وكذلك تطرح في الماء فيصاد بها السمك. ومنها الزبطانة وهي آلة من خشب مستطيلة كالرمح مجوفة الداخل يجعل الصائد بندقة من طين صغيرة في فيه وينفخ بها فيها فتخرج منها بحدة فتصيب الطير فترميه وهي كثيرة الإصابة. ومنها الفح وهو آلة مقوسة لها دفتان تفتحان قسراً وتعلقان في طرف شظاة ونحوها إذا أصابها الصيد انطبقة عليه. ومنها الصنانير جمع صنارة وهي حديدة معقفة محددة الرأس يصاد بها السمك. الصنف السابع آلات المعاملة وهي عدة آلات منها الميزان وهو أحد الآلات التي يقع بها تقدير المقدرات فالموازين قديمة الوضع قال تعالى: " والسماء رفعها ووضع الميزان ألا تطغوا في الميزان وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان " وأمر شعيب عليه السلام قومه بإقامة القسط بالوزن كما أخبر تعالى عنه بقوله: " وزنوا قال أبو هلال العسكري: وأول من اتخذ الموازين من الحديد عبد الله بن عامر. قال: وأول من وضع الأوزان سمير اليهودي وذلك أن الحجاج ضرب الدراهم بأمر عبد الملك بن مروان ونهى أن يضر بها أحد غيره فضربها سمير فأمر الحجاج بقتله لا جترائه عليه. فقال سمير: أنا أدلك على ما هو خير للمسلمين من قتلي فوضع الأوزان: وزن ألف وخمسمائة إلى وزن ربع قيراط وجعلها حديداً فعفا عنه. وكان الناس قبل ذلك إنما يأخذون الدرهم الوازن فيزنون به غيره وأكثرها يؤخذ عدداً. ومنها: الذراع مؤنثة وهي أحدى الآلات التي تقدر بها المقادير أيضاً بها تقدر الأرضون ويقاس البز وما في معناه ولم يزل الناس قديماً وحديثاً يتعاملون بها على اختلافها وقد ورد ذكرها في القرآن الكريم في قوله تعالى: " في سلسلة ذرعها سبعون ذراعاً فاسلكوه ". وقد ذكر الماوردي في الأحكام السلطانية سبع أذرع: إحداها العمرية وهي الذراع التي قدرها أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه لمسح سواد العراق. قال موسى بن طلحة: وطولها ذراع وقبضة وإبهام. قال الحكم بن عتيبة: عمد عمر رضي الله عنه إلى أطولها ذراعاً وأقصرها ذراعاً فجمع منها ثلاثة وأخذ الثلث منها وزاد عليها قبضة وإبهاماً قائمة ثم ختم في طرفها بالرصاص وبعث بذلك إلى حذيفة وعثمان الثانية الهاشمية وتسمى الزيادية. قال: وهي أربع وعشرون إصبعاً كل إصبع سبع شعيرات معتدلات معترضات ظهراً لبطن كل شعيرة عرض سبع شعرات من شعر البرذون وهذه الذراع التي يعتمدها الفقهاء في الشرعيات وبها قدروا البريد المعتبر في مسافة قصر الصلاة وغيرها وربما عبروا عنها بذراع الملك وسميت بالهاشمية لأن أبا جعفر المنصور ثاني خلفاء بني العباس اعتبرها وعمل بمقتضاها في المساحة وتبعه سائر خلفائهم إلى ذلك وبنو العباس من بني هاشم فنسبت إلى بني هاشم مباينة لمن تقدمهم من خلفاء بني أمية. قال الماوردي: وتسمى الزيادية لأن زيادا مسح بها السواد أيضاً. الثالثة البلالية وهي أنقص من الهاشمية المقدم ذكرها ثلاثة أرباع عشرها وإنما سميت البلالية لأن بلال بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري هو الذي وضعها وذكر أنها ذراع جده أبي موسى. الرابعة السوداء وهي دون البلالية بإصبعين وثلثي أصبع وأول من وضعها الرشيد قدرها بذراع خادم أسود كان قائماً على رأسه. قال الماوردي: وهي التي يتعامل بها الناس في ذرع البز والتجارة والأبنية وقياس نيل مصر. الخامسة اليوسفية وهي دون الذراع السوداء بثلثي إصبع وأول من وضعها أبو يوسف صاحب أبي حنيفة. قال الماوردي: وبها يذرع القضاة الدور ببغداد. السادسة القصبة وهي أنقص من الذراع السوداء بإصبع وثلثي إصبع وأول من وضعها ابن أبى ليلى القاضي. قال الماوردي: وبها يتعامل أهل كلواذى. السابعة المهرانية قال الماوردي: وهي بالذراع السوداء ذراعان وثلثا ذراع وأول من وضعها المأمون وهي التي يتعامل بها في حفر الأنهار ونحوها. ومنها: المقص بكسر الميم وهو الآلة المعروفة وينتفع به في أمور مختلفة. الصنف الثامن آلات اللعب وهي عدة آلات منها: النرد بفتح النون وسكون الراء المهملة وهو من حكم الفرس ضعه أرد شير بن بابك أول طبقة الأكاسرة من ملوكهم ولذلك قيل له: نرد شير وضعه مثالاً للدنيا وأهلها فرتب الرقعة اثني عشر بيتاً بعدد شهور السنة والمهارك ثلاثين قطعة بعدد الكواكب السيارة كل وجهين منها سبعة: وهي الشش ويقابله إليك والبنج ويقابله الدور والجهار ويقابله الدو والجهار ويقابله الثا وجعل ما يأتي به اللاعب من النقوش كالقضاء والقدر تارة له وتارة عليه وهو يصرف المهارك على ما جاءت به النقوش إلا أنه إذا كان عنده حسن نظر عرف كيف يتالي وكيف يتحيل على الغلب وقهر خصمه مع الوقوف عند ما حكمت به الفصوص كما هو مذهب الأشاعرة لكن قد وردت الشريعة بذمه قال صلى الله عليه وسلم من لعب بالنردشير فكأنما غمس يده في لحم خنزير وفي رواية: ملعون من لعب بالنردشير. وفي تحريمه عند أصحابنا الشافعية وجهان: أصحهما التحريم والثاني الكراهة. وإذا قلنا: حرام فالأصح أنه صغيرة وقيل: كبيرة. ومنها: الشطرنج بفتح الشين المعجمة أو السين المهملة لغتان والأولى منهما أفصح وهو فارسي معرب وأصله بالفارسية شش رنك ومعناه ستة ألوان وهي: الشاه والمراد بها الملك والفرزان والفيل والفرس والرخ والبيدق. ثم الشطرنج من أوضاع حكماء الهند وحكمهم. وضعه صصه بن داهر الهندي لبلهيب ملك الهند مساواة لأردشير بن بابك في وضعه النرد وعرضه على حكماء زمانه فقضوا بتفضيله ثم عرضه على الملك وعرفه أمره فقال: احتكم علي فتمنى عليه عدد تضعيف بيوته من قمحة إلى نهاية البيوت فاستصغر همته وأنكر عليه مواجهته بطلب نزرٍ يسير فقال: هذه طلبتي فأمر له بذلك فحسبه أرباب دواونيه فقالوا للملك: إنه لم يكن عندنا ما يقارب القليل من ذلك فأنكر ذلك فأوضحوه له بالبرهان فكان إعجابه بالأنر الثاني أكثر من الأول. قال ابن خلكان: ولقد كان في نفسي من هذه المبالغة شيء حتى اجتمع بي بعض حساب الإسكندرية فأوضح لي ذلك وبينه وذلك أنه ذكر أنه ضاعف الأعداد إلى البيت السادس عشر فإثبت فيه اثنين وثلاثين ألفاً وسبعمائة وثمانية وستين حبة وقال: تجعل هذه الجملة مقدار قدح ثم ضاعف السابع عشر إلى البيت العشرين فكان فيه ويبة ثم أنتقل من الويبات إلى الأردب ولم يزل يضعفها حتى انتهى في البيت الأربعين إلى مائة ألف إردب وأربعة وسبعين ألف إردب وسبعمائة واثنين وستين إردباً وثلثي إردب وقال: هذا المقدار شونة ثم ضاعف الشون إلى بيت الخمسين فكانت الجملة ألفاً وأربعة وعشرين شونة وقال: هذا المقدار مدينة ثم إنه ضاعف ذلك البيت إلى الرابع والستين وهو نهايتها فكانت الجملة ست عشرة ألف مدينة وثلثمائة وأربعاً وثمانين مدينة وقال: تعلم أنه ليس في الدنيا مدن أكثر من هذ 1 العدد. قال الصلاح الصفدي في شرح اللامية: وآخر ما اقتضاه تضعيف رقعة الشطرنج ثماينة عشر ألف ألف ست مرات وأربعمائة وستة وأربعون ألفاً خمس مرات وسبعمائة وأربعة وأربعون ألفاً أربع مرات وثلاثة وسبعون ألفاً ثلاث مرات وسبعمائة وتسعة آلاف مرتين وخمسمائة وأحد وخمسون ألفاً وستمائة وخمس عشرة حبة عدداً. قال الشيخ شمس الدين الأنصاري: إذا جمع هذا العدد هرماً واحداً مكعباً كان طوله ستين ميلاً وعرضه كذلك وارتفاعه كذلك وارتفاعه كذلك بالميل الذي هو أربعة آلاف ذراع. واللعب بالشطرنج مباح وقد ذكر الشيخ أبو إسحاق الشيرازي رحمه الله في المهذب: أن سعيد بن جبير الإمام الكبير التابعي المشهور كان يلعب الشطرنج عن استدبار. وممن يضرب به المثل في لعب الشطرنج الصولي وهو أبو بكر محمد بن يحيى بن عبد الله بن العباس بن صول تكين الكاتب. ويقال: إن المأمون كان لا يجيد لعب الشطرنج فكان يقول: عجباً مني كيف أدبر ملك الأرض من الشرق إلى الغرب ولا أحسن تدبير رقعة ذراعين في ذراعين. ثم في حله عند أصحابنا الشافعية ثلاثة أوجه أصحها أنه مكروه والثاني أنه مباح والثالث حرام فإن اقترن به رهن من الجانبين و أحدهما فإنه محرم بلا نزاع. الصنف التاسع آلات الطرب وهي عدة آلات منها العود وهو آلة من خشب مخرقة له عنق ورأسه ممال إلى خلفه وهو آلة قديمة وتسمية العرب المزهر بكسر الميم وهو أفخر آلات الطرب وأرفعها قدراً وأطيبها سماعاً حتى يقال إنه قيل له: هل يسمع أحسن منك فقال: لا وأمال رأسه إلى خلفه فهي ممالة لأجل ذلك. ومنها الحنك قال في " التعريف " وهو آلة محدثة طيبة النغمة لذيذ السماع يقارب العود في حسنه وشكله مباين لشكل العود ورأسه ممال إلى أسفل يقال إنه قيل له: هل يسمع أحسن منك فقال: نعم يريد العود. ومنها الرباب بفتح الراء وهي آلة مجوفة مركب عليها خصلة لطيفة من شعر ممر عليها بقوس وتره من شعر فيسمع لها حس طيب وأكثر من يعاينها العرب. ومن أنواعها نوع يعبر عنه بالكمنجة لطيف القدر في تدوير أطيب حسا وأشجى من الرباب. ومنها الدف بضم الدال وهو معروف ثم إن كان بغير صنوج وهي المعبر عنها في زمننا بالصراصير حل سماعه أو بصنوج فالأصح كذلك. ومنها الشبابة بفتح الشين وهي الآلة المتخذة من القصب المجوف ويقال لها: اليراع أيضاً تسمية لها باسم ما اتخذت منه وهو اليراع يعين القصب وربما عبر عنها بالمزمار العراقي وتصحيح مذهب الشافعي رضي الله عنه يختلف فيها فالرافعي رحمه الله يجيز سماعها والنووي يمنع من ذلك. وهي عدة أشياء منها الخمر وهي ما اتخذ من عصير العنب خاصة وهي محرمة بنص القرآن. قال تعالى: " إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه " وأبو حنيفة يبيحها للتداوي والعطش ولم تبح عند الشافعية إلا لإساغة لقمة المغصوص خاصة وشاربها يحد بالاتفاق وحكم بنجاستها تغليظاً في الزجر عنها وأباح أبو حنيفة المثلث: وهو ما ذهب ثلثاه وبقي ثلثه وقال بطهارته وجرى عند أصحابنا الشافعية وجه بالطهارة. أما المتخذ من الزبيب والتمر وما شاكله فإنما يقال له نبيذ وقد ذهب الشافعي رضي الله عنه إلى القول بتنجيسه والحد بشربه وإن لم ينته منه إلى قدر يحصل منه سكر. ومنع أبو حنيفة الحد في القدر الذي لا يسكر. ثم للخمر أسماء كثيرة باعتبار أحوال فتسمى الخمر لأنها تخمر العقل أي تغطيه والحميا لأنها تحمي الجسد والعقار لأنها تعاقر الدن أي تطول مدتها فيه إلى غير ذلك من الأسماء التي تكاد تجاوز مائة. ومنها الإبريق وهو الإناء الذي يصب منه والإبريق في أصل اللغة ماله خرطوم يصب منه. ومنها القدحن وهو إناء من زجاج ونحوه يصب فيه من الإبريق المقدم ذكره. ومنها الكأس وهو القدح بعد امتلائه ولايسمى كأساً إذا كان فارغاً بل قدحاً كما تقدم. ومنها الكوب بالباء الموحدة وهو الذي لا عروة له يمسك بها أما إذا كانت له عروة فإنه يقال له كوز بالزاي المعجمة. قلت: والعجب ممن يذهب طيباته في حياته الدنيا ويفوز بما وصفه المرارة وطبعه إزالة العقل الذي به مما يتخيرون ولحم طير مما يشتهون وحور عين كأمثال اللؤلؤ المكنون جزاءاً بما كانوا يعملون لا يسمعون فيها لغواً ولا تأثيماً إلا قيلاً سلاماً سلاماً ". اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة! فلا تحرمنا خير ما عندك بشر ما عندنا. ومنها: الحشيشة التي يأكلها سفلة الناس وأراذلهم وتسميها الأطباء بالشهدانج وعبر عنها ابن البيطار في مفرداته بالقنب الهندي وهي مذمومة شرعاً مضرة طبعاً تفسد المزاج وتؤثر فيه الجفاف وغلبة السوداء وتفسد الذهن وتورث مساءة الأخلاق وتحط قدر متعاطيها عند الناس إلى غير ذلك من الصفات الذميمة المتكاثرة. وكلام القاضي حسين يدل على أنه لا يحد متعاطيها وإن فسق فإنه قال: وغير الخمر مثل البنج وجوز ماثلٍ والأفيون لا يحد متعاطيه بحال بل إن تعمد تناوله فسق به وإن تناوله غلطاً أو للتداوي لم يفسق وقد أفرد ابن القسطلاني الحشيشة بتصنيف سماه تكرمة المعيشة في ذم الحشيشة ذكر الكثير من معانيها ومساوي متعاطيها وأعاذنا الله تعالى من ذلك. مما يحتاج إلى وصفه الأفلاك والكواكب وفيه مقصدان: المقصد الأول في بيان ما يقع عليه اسم الفلك وعدد أكره وما بين كل كرتين وحركة الأفلاك في اليوم والليلة أما ما يقع عله اسم الفلك فالمراد بالأفلاك السموات. قال صاحب مناهج الفكر: تواطأت الأمم على تسمية أجرام السموات أفلاكاً وقال ابن قتيبة في أدب الكاتب: الفلك مدار النجوم الذي يضمها واحتج بقوله تعالى بعد ذكر النجوم: " وكل في فلك يسبحون " قال: وسمي فلكاً لاستدارته ومنه قيل: فلكه المغزل لاستدارتها. وأما شكل الفلك وهيئته فقد اختلف علماء الهيئة في ذلك: فذكر الأكثرون منهم أنها كرية لا مسطحة لأن أسرع الأشياء حركة السموات وأسرع الأشكال حركة الكرة لأنها لا تثبت على مكان من الأمكنة إلا بأصغر أجزائها. وأما عدد أكره فقد ذكر الجمهور من علماء الهيئة أن الفلك عبارة عن تسع أكر متسقة ملتفة بعضها فوق بعض التفاف طبقات البصلة بحيث يماس محدب كل كرة سفلى مقعر كرة أخرى عليا إذا لا خلاء بينهما عندهم. قالوا: وأقرب هذه الأكر إلى الأرض كرة القمر ثم كرة عطارد ثم كرة الزهرة ثم كرة الشمس ثم كرة المريخ ثم كرة المشتري ثم كرة زحل ثم كرة الكواكب الثابتة ثم كرة الفلك الأطلس وسمي بالأطلس لأنه لا كواكب فيه ثم الفلك المحيط ويسمى فلك الكل وفلك الأفلاك والفلك الأعلى والفلك الأعظم وحكى النومحسي في كتاب الآراء والديانات أن بعض القدماء ذهب إلى أن كرة الشمس أعلى من سائر كرات الكواكب وبعدها كرة القمر وبعدها كرة الكواكب المتحيرة ثم كرة الكواكب الثابتة. والمتفلسفون من الإسلاميين لما حكمت عليهم نصوص الكتاب والسنة بالاقتصار على ذكر سبع سموات زعموا أن الفلك الثامن من الأفلاك التسعة هو الكرسي والفلك التاسع هو العرش. وذهب بعض القدماء من علماء الهيئة إلى أن فوق الكرة التاسعة كرة عاشرة هي المحركة لسائر الأكر. وذهب آخرون إلى أن وراء نهاية الأجرام السماوية خلاءً لا نهاية له وذهب بعض الفلاسفة إلى أن وراءها عالم الصورة ثم عالم النفس ثم عالم السياسة ثم علام العلة الأولى ويعنون به الباري تعالى عن الجهة. والصابئة يسمون هذه العوالم أفلاكاً. وأما ما بين كل كرتين فذهب أهل الهيئة إلى أنها متراصة لاخلاء بينها لكن قد ورد الشرع بما يخالف ذلك فأطبق القصاص من أهل الأثر على أن بين كل سماء وسماء خمسمائة سنة وفي وأما حركة الأفلاك اليومية فإن الفلك الأطلس المقدم ذكره يتحرك بما في ضمنه في اليوم والليلة حركةً واحدة دورية على قطبين مائلين يسميان قطبي العالم أحدهما عظمي تقطع هذا الفلك نصفين تسمى دائرة معدل النهار لأن الشمس متى حلت بها اعتدل النهار في سائر الأقطار وتقاطع هذه الدائرة دائرةً أخرى متوهمة تقسم هذا الفلك نصفين على نقطتين متقابلتين يصير نصفها في شمالي معدل النهار ونصفها الآخر في جنوبيه ويسمى منطقة البروج وهذه الدائرة ترسمها الشمس بحركتها الخاصة في السنة الشمسية ومن ثم قسمت اثني عشر قسماً ويسمى كل قسم منها برجاً.
|